تعد شركة كريم“Careem” من أبرز قصص النجاح في
مجال ريادة الأعمال في العالم العربي، إذ استطاعت خلال فترة وجيزة أن تتحول من
فكرة ناشئة إلى شركة إقليمية كبرى في قطاع النقل الذكي، قبل أن تستحوذ عليها شركة أوبر “Uber” سنة 2019 مقابل 3.1
مليار دولار.
أولا: تأسيس شركة كريم:
تأسست شركة كريم في عام 2012 في مدينة دبي باستثمارات تبلغ أقل من نصف مليون دولار من الأموال
الخاصة لكل من مؤسسيها الباكستاني "مدثر
شيخة" و السويدي "ماغنس أولسن"، الى ان انضم إليهما السعودي "عبد
الله إلياس" كمؤسس و مشارك بعد أن اشترت شركة كريم شركته "عنواني"،
و يتمثل نشاط شركة كريم في خدمات التوصيل حيث هدفت منذ البداية إلى تسهيل حياة
الناس عبر تكنولوجيا ذكية توفر وسيلة نقل موثوقة و مريحة في المدن العربية.
سعى مؤسسا الشركة إلى إطلاق مشروع متميز يقدم خدمة يحتاجها المجتمع، يجلب
المنفعة و يوفر العديد من فرص العمل للأفراد، و يحقق في الوقت نفسه عائدا ماديا
لهما و للمنطقة، و من هذا المنطلق، قررا الدخول في مجال خدمات التوصيل الذكي، الذي
كان آنذاك مجالا ناشئا و غير مطور بالشكل الذي نعرفه اليوم.
ثانيا: الخدمات التي تقدمها شركة كريم:
1- بداية المشروع:
بدأت الشركة
عملها سنة 2012 في دبي من خلال موقع إلكتروني بسيط يقدم خدمة نقل الأشخاص اعتمادا
على تحديد الموقع و الوقت، حيث كان الحجز و التواصل يتم عبر البريد الإلكتروني و رقم
الهاتف، و كان المستخدم يتلقى رسالة نصية تبلغه بأن السائق في طريقه إليه، في تلك
المرحلة، كان التواصل مع السائقين يتم بواسطة الهاتف، حيث يتم تزويدهم بالمعلومات
عن الموقع و الاتجاهات كل واحد على حدا عبر مكالمة هاتفية، و في العام نفسه،
افتتحت الشركة أول مكتب رسمي لها تميز بتجهيزات متواضعة، و شهد إجراء أول مقابلة
توظيف ضمن مسيرتها المهنية.
2- تطور المشروع:
في عام 2013 تم
إصدار تطبيق مخصص لشركة كريم "تطبيق كريم"، و ذلك بعد انتشار نطاق
الخدمات التي تقدمها الشركة بشكل كبير لتشمل العديد من المدن، بعدها تطور المشروع
ليشمل مجموعة من الخدمات ابرزها:
- خدمة النقل من مكان إلى آخر عبر السيارات الخاصة أو سيارات الأجرة.
- خدمة توصيل الطعام إلى المنازل أو أي مكان آخر.
- خدمة التسوق و إيصال المشتريات إلى المنازل.
- خدمات دفع الفواتير المختلفة.
- خدمة توصيل مختلف البضائع بين الأشخاص عبر Careem box.
- خدمات التنظيف و التواصل مع العمال المتخصصين بتنظيف المنازل.
- خدمة Careem Pay و التي تتضمن خدمات الدفع و الحوالات المالية، إلى جانب خدمة المحفظة الإلكترونية.
- خدمة استخدام الدراجات الهوائية و تأجيرها.
و منذ بداية الشركة في 2012 تمكنت من خلق مصدر دخل لما يزيد عن 2.5 مليون
كابتن، و أصبحت خدماتها تقدم لأكثر من 50 مليون عميل عبر ما يزيد عن 70
مدينة في الشرق الأوسط و شمال افريقيا و جنوب اسيا.
ثالثا: عوامل نجاح مشروع كريم:
لم يكن نجاح
المشروع بالصدفة بل كان نتيجة مجموعة من العوامل خلقها مؤسسو الشركة نذكر ابرزها:
التركيز على
احتياجات السوق العربي: فالشركة جاءت لتلبية حاجة و حل مشكلة يعاني منها
المستخدم العربي، حيث كان الزبون احيانا يضطر لانتظار سيارة أجرة لفترات طويلة و قد يواجه خلافات
حول الأجرة بسبب تعطل العدادات غالبا، و من هنا ولدت فكرة كريم التي تهدف إلى
توفير سيارات خاصة عالية الجودة بسائق خاص، تصل للعميل خلال دقائق، كما يتيح
التطبيق معرفة المسار، المدة، و التكلفة مسبقا، مع إمكانية إلغاء الطلب بسهولة إذا
لم يناسبه العرض.
التوسع
الإقليمي السريع: انتشرت شركة كريم في أكثر من 70 مدينة في الشرق الأوسط و
شمال إفريقيا و جنوب آسيا.
الابتكار
التكنولوجي: استثمرت الشركة في تطوير تطبيق متطور يوفر
الوقت و الجهد من خلال تجميع العديد من الخدمات في مكان واحد، كما ان تصميم
تطبيق كريم يركز على سهولة الاستخدام فالواجهة بسيطة و واضحة.
القيم المؤسسية:
العمل الجاد، الصبر، و المثابرة للفريق المؤسس، العمل
المشترك و روح الفريق، حيث اعتمدت الشركة أسلوب عمل قائم على التعاون و المسؤولية
الاجتماعية، مثل توفير فرص عمل للشباب و إعطاء فرصة للنساء للعمل في خدمات التوصيل.
التركيز على التميز المحلي: من خلال دعم
اللغة العربية في التطبيق، توظيف سائقين محليين لهم معرفة بالعادات
الاجتماعية، و تقديم خيارات دفع مرنة (نقدا و بطاقات).
وجود تمويل: في
عام 2019، استحوذت شركة اوبر “Uber” على شركة كريم مقابل 3.1 مليار دولار، لتصبح أكبر
صفقة تكنولوجية في تاريخ الشرق الأوسط، مما
وفر رأس مال استثماري لتوسيع كريم خدماتها و استراتيجياتها المستقبلية في السوق، مع
انه رغم الاستحواذ استمرت كريم في العمل ككيان مستقل للحفاظ على هويتها العربية و استراتيجيتها
الخاصة.
رابعا: التحديات التي واجهت شركة كريم:
واجهت شركة
كريم عدة عقبات لكنها كانت دائما تنجح في التغلب عليها من خلال المرونة الإدارية و
الابتكار في الحلول و من أبرز هذه التحديات:
المنافسة
الشديدة: واجهت شركة كريم منافسة شرسة من طرف أوبر قبل الاستحواذ.
تحديات قانونية
و تنظيمية: مثل صعوبة الحصول على تراخيص لتقديم خدمات النقل التشاركي في بعض الدول نتيجة عدم وجود قوانين
تنظم هذا النوع من الخدمات او عدم وضوحها، و كذلك وجود خلافات
بين شركات النقل الذكي و اصحاب التاكسي التقليدية.
صعوبة تأمين الجودة:
نتيجة التوسع الكبير لشركة كريم و ازدياد عدد السائقين بشكل سريع، فكلما ارتفع عدد
السائقين كلما أصبح من الصعب مراقبة أدائهم و المحافظة على نفس مستوى الاحترافية
الذي اعتاد عليه العملاء.
التدريب و الاحترافية: بعض السائقين غير مدربين بشكل
كاف على استخدام تطبيقات تحديد المواقع، مما يؤدي إلى تأخير في الرحلات، كما أن
سلوكيات غير مهنية مثل استخدام الهاتف أثناء القيادة أو تشغيل الراديو دون إذن
تسيء لتجربة العميل.
التدريب الأمني: تواجه الشركة تحديات أمنية في
بعض الأسواق، حيث يطلب منها إجراء فحوصات أمنية صارمة و دورية للسائقين للتأكد من
سجلاتهم الجنائية.
الأعطال الفنية: قد تحدث أعطال في التطبيق تؤدي
إلى احتساب أجرة مبالغ فيها، مما يتطلب من العميل التواصل مع خدمة العملاء لتصحيح
الخطأ.
مشاكل التواصل: في بعض الأحيان، لا يكون الرقم
المحلي لخدمة العملاء متاحا، مما يضطر العميل للتواصل عبر رقم دولي يكلفه مصاريف
إضافية.
فقدان جزء من الهوية: بعد الاستحواذ على شركة كريم،
واجهت تحديا في استعادة هويتها المميزة، حيث أدى التركيز على السوق الإماراتية إلى
إهمال السوق السعودية نوعا ما، مما أدى إلى تراجع حضور الشركة هناك.
خامسا: الدروس المستفادة من مشروع كريم:
تحتل اليوم شركة
كريم مكانة كبيرة في مجال النقل و الخدمات الاخرى، بفضل ما توفره من خدمات مبتكرة
تسهل حياة الناس و تمنحهم تجربة أكثر راحة و سهولة، و لا شك أن قصة نجاح هذه
الشركة يستفاد منها الكثير من الدروس:
- ريادة الأعمال
الناجحة تبدأ بفهم احتياجات المجتمع المحلي.
- تمثل الشركة نموذجا مميزا للعمل الجاد، الصبر، المثابرة، الابداع و الطموح في عالم ريادة الأعمال.
- تعد الشركة مثال رائع للعمل المشترك و روح الفريق، و يمكن رؤية ذلك من خلال الشركاء الثلاثة الذين جمعوا خبراتهم معا و وضعوها في مكان واحد ليحققوا كل هذا النجاح، كما لا ننسى الجهد المبذول من قبل باقي الموظفين في الشركة.
- الاستثمار في التكنولوجيا
و التكيف مع الثقافة المحلية مفتاحان للنمو.
- التوسع السريع
يجب أن يكون مصحوبا بإدارة ذكية للجودة و الموارد البشرية.
- التعاون مع
الشركات العالمية يمكن أن يكون فرصة للنمو و ليس نهاية الطريق.
في الختام، تظهر
تجربة شركة كريم أن ريادة الأعمال العربية قادرة على المنافسة عالميا إذا توفرت الرؤية،
الابتكار، و المرونة، فنجاحها لم يكن مجرد قصة تجارية، بل مثال حي على كيف يمكن
لفكرة محلية أن تتحول إلى كيان إقليمي مؤثر يسهم في تنمية الاقتصاد و خلق فرص عمل
في العالم العربي.